بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة السادسة في مادة:
نظرية الإلتزام في الفقه الإسلامي فوج ¾
**************************
« أركان العقد (تتمة) »
· صحة التراضي:
·
الأهلية:
الأهلية في اللغة هي الصلاحية والجدارة والكفاية لأمر من
الأمور ، فالأهلية لأمر هي الصلاحية له ، هو أهل لكذا ، أي هو مستوجب له ، فتكون
بمعنى الإستحقاق. ومنه قوله تعالى: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا
وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح:26].
·
الفرق بين الأهلية والذمة:
لا ينبغي الخلط بين الأهلية والذمة – وهي لغة الذات– ، فالذمة أوسع لأن المقصود بها في الإصطلاح :
" تلك الصفة الإعتبارية التي يقدرها الشارع في الشخص ويكون بها أهلا لثبوت
الحقوق له وعليه " ، وعلى هذا المعنى تكون الأهلية من آثار الذمة ، لأن الذمة
وصف شرعي يفترضه الشارع في الإنسان يصير به أهلا للوجوب له أو للوجوب عليه.
والذمة تشمل الإنسان وغيره ،
فتفترض ذمة للمسجد ولبيت المال وللدولة ولكل مهم ديني ، لكن يكون القائمون بهذا
المهم مكلفين تتوافر في كل واحد منهم أهلية يتحقق بها شرط ترتب الذمة.
أما الأهلية في الإصطلاح فهي:
" صلاحية الإنسان لتحمل الإلتزامات واكتساب الحقوق".
وهذا التعريف يدل على أن الأهلية
نوعان: أهلية الوجوب و أهلية الأداء.
1. أهلية الوجوب:
"وهي أهلية الشخص لأن تكون
له حقوق وعليه واجبات".
~ أقسام أهلية الوجوب:
أ.
أهلية الوجوب الكاملة: وهي ثابتة للإنسان منذ ولادته ،
فيصير المولود أهلا لأن يجيب له ويجيب عليه ، وينوب عنه في ذلك وليه ، فيطالب بما
يجب له ، ويلتزم به وليه عنه.
ب. أهلية
وجوب ناقصة: وهي ثابتة لكل إنسان حتى لو كان في بطن أمه ، لما له من حقوق أوجبتها
الشريعة الإسلامية والتي له نفع فيها ولا تتوقف على قبول ، كثبوت النسب والوقف
والوصية.
·
علاقة أهلية
الوجوب بإنشاء العقد:
ليس لأهلية الوجوب أثر في إنشاء
العقود فقد تكون كاملة ، ولا يكون صاحبها أهلا لإنشاء أي عقد كما في الصبي الذي لا
يميز ، إنما الاثر لأهلية الاداء.
2. أهلية الأداء:
"وهي صلاحية الشخص لصدور التصرفات منه
على وجه يعتد به شرعا. وتترتب عليها أحكام".
~ أقسام أهلية الأداء:
أ.
أهلية الأداء الكاملة: وهي لا تثبت إلا لمن استجمع
الشروط الأربعة في التكليف الشرعي ( البلوغ ، العقل ، العلم ، القدرة) مع خلوه من
العوارض المؤثرة على هذه الشروط.
ب. أهلية
الأداء الناقصة: وتكون ناقصة فيمن عنده أصل التمييز ولم يكمل عقله إما لعدم بلوغه وإما
لآفة اصابته كالعته مثلا ، والأول هو الصبي المميز ، والثاني هو المعتوه المميز ،
أما الصبي الذي لا يميز والمجنون فهما فاقدان لهذه الأهلية لفقدهم التمييز.
·
وخلاصة
هذه الحالات السابقة ما يلي:
~ أساس أهلية الأداء الكاملة: هي شروط التكليف الشرعية الكاملة.
~ أساس أهلية الوجوب الكاملة: هو إمكان أداء الحق ولو بالنيابة.
~ أساس أهلية الأداء الناقصة: هو التمييز.
~ أساس أهلية الوجوب الناقصة: هو الذمة.
·
الأهلية في التشريع المغربي:
لقد كان يوسم هذا البحث في القانون المغربي بسمة التناقض
، وكان الذي يلمز بذلك حقيقة ، هو الفقه الإسلامي و المذهب المالكي خاصة، الذي هو
مذهب الترجيح القضائي عند انعدام التنصيص القانوني.
فقد كانت صيغة
العموم في الفصل الثالث من قانون الإلتزامات والعقود تنص على أن أهلية الفرد تخضع
لقانون أحواله الشخصية ، ولما كان نص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة قد جعل مسائل
الأهلية واسعة من غير تحديد تبعا لخلاف فقهاء المذهب في سَنها ، فإن ذلك أعقب
اضطرابا في فروع القانون ، حتى صارت لكل ميدان أهلية مخصوصة ، فكانت الاهلية
الجنائية أعلى سنا من الأهلية المدنية ، واهلية الترشيح والتصويت في الإنتخابات
أعلى منها معا وهكذا ..
لكن بصدور -قانون 73 -03 - بمثابة مدونة الاسرة ، حُسمت مادة الخلاف وصارت درجات الاهلية
محددة ، بناءً على القاعدة الفقهية الأصلية ، وهي: " حكم الحاكم يرفع الخلاف
".
ولقد سبق قانون الإلتزامات والعقود أن خصص الفصول من 3 إلى 13 لمباحث
الاهلية مرشدا إلى قانون الاحوال الشخصية ، فجاءت مفصلة في مدونة الأسرة من المواد
206 إلى 276. وفق القواعد التالية ، لكن قبل الإشارة نذكر أن الأهلية المقصودة
بالتفصيل هنا هي أهلية الاداء دون اهلية الوجوب ، لأنها الاهلية التي يناط بها صحة
التراضي ووجوده :
أ.
كامل الأهلية: وهو كل من بلغ سن الرشد المحددة
في ثماني عشرة (18) سنة شمسية كاملة غير ناقصة ، رجلا كان أو امرأة .
ب. عديم
الأهلية:
لعدم الأهلية سببان معروفان ومجمع عليهما عند الفقهاء. وهما :
~ الصغر مع عدم التمييز.
~ فقدان العقل ، وهو ما يعبر عنه
الفقهاء بالجنون.
وحكم تصرفات عديم الاهلية أنها باطلة لا تنتج أي أثر ، ما دام
وجودها وعدمها سيان. فالعقد الذي يكون حاصلا لصاحبه بسبب من الاسباب الثلاثة
التالية:
~ الصغر مع التمييز: الصغير المميز هو
الذي أتم اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة في اصطلاح المدونة ، مع أن مستند الفقهاء في
سن التمييز الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مُرُوا أولادكم
بالصلاة وهم أبناء سَبْعِ سنين واضربوهم وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في
المضاجع)[أخرجه أبو داوود] ، حتى قال أغلب الفقهاء إن سن
التمييز تبتدئ من السابعة.
~ السَّفَهُ: السفيه هو المبذر ، الذي
يصرف ماله فيما لا فائدة فيه ، وفيما يعده العقلاء عبثا ، بشكل يضر به أو بقرابته.
~ العَتَهُ: والمعتوه هو الشخص المصاب
بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره و تصرفاته ، لكن يعتبر الشخص المصاب
بحالة فقدان العقل بكيفية منقطعة ، كامل الاهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله
فيها. كما أن الفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية كما في حالة تعاطي
المخدرات والسكر ، على خلاف بين الفقهاء لا يسمح المجال بتفصيله.
ويعتري أحكام ناقصي الاهلية تفصيل:
أ.
بالنسبة للصغير المميز - وعليه يقاس السفيه والمعتوه - : يقع التمييز بين ماذون له في التصرف ، وغير مأذون له فيه.
§
الصغير غير المأذون له: وهو الذي
تتراوح سنه بين اثنتي عشرة (12) سنة شمسية ولم يؤذن له في التصرف ، فإذا تعاقد
ناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم فإنه لا يُلزم بالتعهدات التي
يبرمها ، وله أن يطلب فسخها. غير أنه يجوز تصحيح الإلتزامات الناشئة عن تعهدات
ناقص الاهلية ، إذا وافق الاب أو الوصي أو المقدم على تصرفاته ، كما لهم أن يطلبوا
فسخ تلك العقود والتحلل من التزاماتها.
وبناء على ذلك تخضع تصرفات الصغير غير المأذون
له لأحوال ثلاثة ، النفاذ أو البطلان أو التوقف. فتكون:
~ نافذة إذا كانت نافعة له نفعا
محضا.
~ باطلة إذا كانت مضرة به.
~ توقف نفاذها على إجازة نائبه
الشرعي ، إذا كانت دائرة بين النفع والضرر ، حسب المصلحة الراجحة للمحجور وفي
الحدود المخولة لاختصاصات كل نائب شرعي.
§
الصغير المميز المأذون له: فهذا
تكون تصرفاته صحيحة باعتباره كامل الاهلية فيما أُذِن له به فقط.
ب. بالنسبة
للسفيه والمعتوه: تصرفاتهما في حكم تصرف الصغير المميز غير المأذون له ، وقد تقدمت الإشارة
إلى القياس عليه في حالتيهما.
وصحة الإرادة بصفة عامة تستوجب خلو هذه الإرادة من العيوب . فما هي هذه
العيوب ؟
·
عيوب الإرادة:
تجنبا لكل ما يعيق
الإرادة من انطلاقها ، اهتم الفقهاء بالشق الثاني من الصحة وهو الخلو من عيوب
الرضا .
وقد يظهر أن
تناول العيوب هذه العيوب يجعل الفقه الإسلامي متخليا عن نزعته الموضوعية التي لا
تنفك عنه ، مادام البحث فيما يعيب الإرادة هو صميم البحث في الإرادة الحقيقية ،
الامر الذي يعني أن هذه الإرادة ترجح على الإرادة الظاهرة عند التعارض.
لن يتخلى
الفقه الإسلامي مرة أخرى عن نزعته الموضوعية ، حتى وهو يسعى للكشف عن الإرادة
الحقيقية. وهكذا فغن مباحثه في عيوب الرضا مختلفة ترتيبا من جهة الإعتداد والقوة
عما هي عليه في القانون ، ذلك أن هذا الأخير – خاصة في مدرسته اللاتينية التي ينتسب إليها القانون الفرنسي – أكثر ما يعتد بالإرادة الباطنة
، وهو ما سيثبت في الفقه الإسلامي أنه غير لازم لكشف الإرادة الحقيقية.
ويترتب على هذا التقرير أنه التقارب الملحوظ في مواضع عيوب الرضا التي في
الفقهين ( وهي غالبا: الغلط ، والتدليس ، والإكراه) لا تعكس درجة الإعتداد التي
تختلف فيهما ، حيث إن الإكراه هو أقوى ما يعتد به الفقه الإسلامي معيبا للرضا ، ثم
التدليس المرافق للتغرير ، فالخطأ الذي يكون بالدرجة الأقل.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد أننا حاولنا أن نحتفظ بالمباحث ذاتها كما هي عند
القانونيين ، وإن كان الفقهاء مختلفين في تعداد عيوب الرضا ، فغالبا ما يضيف بعضهم
مباحث الغبن ليجعلها أربعة ، ونقول نحن إن الإكتفاء بثلاثة مباحث: (الغلط والتدليس
– وهو أيضا مما يسميه البعض خلابة وتغريرا تغليبا لمرافقته له– والإكراه) تغني عن دراسة الغبن استقلالا ، على
اعتبار أن المعتد به هو درجة >لك الغبن ، أفاحش هو أم مغتفر؟ . وهو ما يحضر في
دراسة المباحث الثلاثة دون حاجة إلى تكرار وتطويل.
1. الـــغلـط:
الغلط في اصطلاح جمهور الفقهاء يأتي مساويا للفظ الخطأ ، فقد جاء في حاشية
العدوي على الخرشي تعريف الغلط: " بأنه تصور الشيء على خلاف ما هو
عليه".
وقد قسم الفقهاء الغلط لارتكازه على المعيار الذاتي . وبناء على >لك قسم
الفقهاء الغلط بحسب ما يقع عليه إلى : الغلط في المعقود عليه (المحل)، والغلط في
الشخص ، والغلط في القيمة ، والغلط في الحكم .
أ.
الغلط في المعقود عليه (المحل):
وهو أن يظهر المعقود بعد تمام العقد أنه مخالف لما وقع عليه العقد ذاتا ، أو وصفا.
( كأن يشتري شخص حليا على أنها ذهب أو ألماس ، ثم يتبين أنها من النحاس أو الزجاج
، أو يشتري حنطة فإذا هو شعير ، أو صوفا فإذا هو قطن) وحكم هذا العقد أنه باطل من
أساسه ، لفوات محل العقد الذي يريده المشتري فيكون عقدا على معدوم. وأما الغلط في وصف مرغوب
فيه : فهو أن يظهر المعقود عليه كالوصف
الذي اراده العاقد ، ثم يتبين أنه مخالف للوصف المشروط صراحة أو دلالة. (كأن يشتري
شيئا بلون أسود ، فإذا هو رمادي). وحكم هذا العقد أنه غير لازم بالنسبة لمن وقع
الغلط في جانبه. أي أن له الخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه.
ب. الغلط
في الشخص: إذا وقع الغلط في ذاتية الشخص أو في صفة جوهرية فيه كان للطرف الآخر
الذي وقع في الغلط فسخ العقد. وهذا يكون في عقود التبرعات كما يكون في عقود
المعاوضات ، ومن ذلك مثلا: أن يوصي لشخص معين يعتقد أنه فلان فإذا هو غيره.
ج. الغلط
في القيمة: يقصد بذلك وقوع الغبن نتيجة الجهل بقيمة الشيء كأن يتصور أن المعقود
عليه يساوي كذا في حين انه لا يساوي ذلك وهذه المسالة تعالج في الفقه الإسلامي تحت
أحكام الغبن.
د. الغلط
في الحكم: وهو مؤسس على نقيض قاعدة " لا يعذر أحد لجهله بالقانون". وهذا
الأمر على خلاف ذلك في الفقه الإسلامي ، إذ قرر الفقهاء أن الجهل بالأحكام مغتفر
فيما دون المعلوم من الدين ضرورة في حق الجميع.
2. الـــتدليس:
التدليس
هو إظهار المعقود عليه على صفة وهمية تدفع المتعاقد الآخر إلى إنشاء التصرف. وبناء
على ذلك حرم الشارع إخفاء العيوب في كثير من أبواب والتي من بينها النكاح والبيع
والإجارة وغير ذلك.
أنواع التدليس:
~ التدليس الفعلي: وهو إحداث فعل
في المعقود عليه ليظهر بصورة ، غير ما هو عليه في الواقع.
~ التدليس القولي: وهو الكذب
الصادر من أحد المتعاقدين أو ممن يعمل لحسابه حتى يحمل العاقد الآخر على التعاقد
ولو بغبن.
~
التدليس بكتمان الحقيقة: وهو الصورة المشهورة في الفقه الإسلامي باسم
(التدليس): فهو إخفاء عيب في أحد العوضين ، كأن يكتم البائع عيبا في المبيع.
3. الإكــــراه:
التتمة في المحاضرة السابعة
تمت المحاضرة بحمد الله
لتحميل المحاضرة بصيغة PDF إضغط هنا
0 تعليقات على " المحاضرة السادسة في مادة نظرية الإلتزام في الفقه الإسلامي "