بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة السادسة في مادة:
علوم الحديث فوج ¾
**************************
« علم التخريج »
·
أهمية علم التخريج و فوائده:
تظهر أهمية
التخريج بمجرد النظر إلى العلم الذي يتعامل معه المخرج وهو حديث الرسول صلى الله
عليه وسلم ، الذي يعد مصدراً ثانياً بعد كتاب الله تعالى في الدلالة على ما يكون
به التعبد و ويقوم به الاعتقاد الصحيح ، وللباحث عما يدله على اهميته هذا الفن أن
يعرف أنه ضروري لجميع المشتغلين بالعلوم الشرعية على اختلاف تخصصانهم ، كما أنه
هناك أمراً يزيد من أهمية هذا الفن ، وهو أن هذا الزمان الذي نحن فيه ، غلب على
أهله عدم المعرفة بمضان الحديث ، و علم التخريج يعيننا على التعامل مع كتب ومصادر
الحديث ، ومن أهم الفوائد المكتسبة من معرفة التخريج وعلمه :
1. أولا: معرفة مصدر الحديث ومن رواه من أصحاب التصانيف .
2. ثانيا: معرفة رواة
الحديث و التعرف على تراجمهم وأحوالهم من حيث الجرح و التعديل.
3. ثالثا: معرفة طرق الحديث
وجمع الأسانيد التي جاء بها حين الرواية ، وهو ما يُمَكن من معرفة نوعه ، كأن يكون
متواتراً أو مشهوراً أو عزيزاً أو غريباً ، كما أنه يسهل الوقوف على الإختلاف
الواقع بين رجالات كل طريق من حيث القوة و
الضعف في الرواية ، كما نعرف العلل الموجودة في بعض تلك الطرق. فالسند قد يكون
رجاله كلهم ثقات وقد يكون متصلا ولكن بعض الثقات قد يخطئ ويروي الحديث على أنه
موصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن إذا جُمعت طرق الحديث الأخرى وجدت أن
ذلك الراوي قد خالف باقي الرواة الآخرون في الطرق الأخرى ، وهم ثقات و أكثر عدداً
منه ، فيجعلون هذا الحديث مرسلاً ، و المرسل لم يتوفر فيه شرط من شروط صحة الحديث
وهو اتصال السند فيكون حديثا ضعيفا .
4. رابعا: معرفة درجة
الحديث و الإطلاع على أحكام النقاد عليه.
5. خامسا: عدم الإستعجال في
الحكم على الحديث فمجموع طرقه و ألفاظه مع ما تستوجبه من النظر في أحوال رواته
وفقه حديثه ، كل هذه الأمور تهيئ أسباب الحكم على الحديث ، فقد يحكم أحينا على
حديث من الأحاديث أنه ضعيف بسبب وجود راو مضعف في ذلك السند ، فهذا الحكم يعتبر
حكم متعجلاً متسرعا ، ويكون الحديث في
حقيقته صحيحا ، حيث إنه لم يرد من تلك الطريق فقط بل ورد من طرق أخرى ، وإما أن
تكون تلك الطرق بعضها صحيحة لذاتها فيصح الحديث التحاقاً بها ، و إما أن تكون تلك
الطرق فيها شيء من الضعف ولكن إذا ما ضُمت هذه الطرق بعضها إلى بعض تقوى الحديث
بها وانجبر ضعفه ، فأصبح إما حسنا لغيره أو صحيحا لغيره.
6. سادسا: التأكد من صحة و
قوع التدليس ، ففي أسانيد بعض الاحاديث يكون الراوي معروفا بالتدليس أي يتعمد
إخفاء بعض العيوب في إسناده أو يسقط بعض رجالاته ممن فيه جرح حتى لا يؤثر ذلك في
روايته ، فلا يؤخذ بروايته مالم يصرح بالساع المباشر عن الراوي بقوله: حدثني أو
أخبرني أو سمعت ، لكن التخريج و التوسع فيه قد يوقفنا على طرق أخرى صرح فيها هذا
الراوي بالسماع ، فتُقبل روايته التي لم تُقبل من قبل ، وهو يستعمل صيغا توهم
بالسماع ، كأن يقول: عن فلان عن فلان ، فالعنعنة
من غير تصريح بالسماع يُحكم عليها بالتوقف إلى أن يتأكد من سماعه . و التخريج يوقفنا
على حقيقة السماع و هذه صورة من صور عدم التسرع في الحكم على الحديث ، وقريب من
هذا وهو صورة أخرى من صوره: الوقوف على رواية راو عن شيخه الذي عُرف بالاختلاط ،
فالمتسرع قد يحكم على الحديث بالرد إذ رواه عنه بعد اختلاطه ، لكن التخريج قد يوقفنا
على رواية هذا الشيخ لتلك الرواية قبل اختلاطه براو آخر فتقبل تلك الرواية ،
ومثاله : أبو إسحاق السبيعي فهو شيخ اختلط في آخر عمره ، سمع منه أبو الأحوص بعد
اختلاطه وسمع منه شعبة و سفيان الثوري قبل ذلك ، فإذا روى عنه أبو الأحوص حديثا
تابعه عليه شعبة أو سفيان ، أو كلاهما ، وهذا يعني أن أبا إسحاق السبيعي لم يَهِن
في روايته هذا الحديث لأبي الأحوص.
ومن
الفوائد أيضا التفريق بين المتقدم و المتأخر من الروايات ، والوقوف على ناسخ
الحديث ومنسوخه و معرفة سبب ورود الحديث أو الظروف التي قيل فيها .
· خطوات التخريج العملي:
1. الخطوة الأولى: البحث عن الحديث
المراد تخرجه ، باستعمال طريق التخريج المعروفة وهذه المرحلة تقوم على الجمع ، بجمع
طرق الحديث ثم تصنيف المعلومات المتعلقة بذلك بشكل موجز.
2. الخطوة الثانية: دراسة الأحدايث
المجتمعة من مرحلة البحث ثم المقارنة بينها لمعرفة مدى حصول الاتفاق أو الاختلاف
بينها سندا أو متنا ، وتُدَعَّم الدراسة بنصوص النقاد في ذلك الاتفاق أو الاختلاف
ثم نقوم بتصنيف ذلك تصنيفا علمياً من شأنه أن يعطي القارئ فكرة مؤسسة حول ملابسات
الرواية وحكم النقاد عليها ، وعلى الباحث في هذه المرحلة أن يضع خلاصة لكل
الروايات المخرجة ثم يصنفها ، ويضيف إليها بعد ذلك نتائج المقارنة ، وحتى نصل إلى
هذه النتيجة لابد من أن ندعم نتائج الجمع و المقارنة بآراء أئمة الحديث المستوعبة
لعشرات الطرق التي قد لا نعثر عليها وإن بدلنا جهدنا في الجمع ، فكتب أولئك
العلماء مخصصة لبيان ما يتعلق بالتفرد و المخالفة .
3. الخطوة الثالثة: الترجمة لرواة
الحديث بغرض الوصول إلى الحكم على الحديث من حيث الصحة و الضعف ، وتقترن الترجمة
بدراسة وجمع آراء العلماء في الرواة ، فترجمة الرواة وسيلة من وسائل الوقوف على مدى
خطأهم و وهمهم أو صوابهم و ضبطهم فيما رووه حينما لا نجد تنصيص النقاد على ذلك ،
كما أنها تسعفنا في التأكد من دقة الأحكام التي يصدرها النقاد على أحاديث هؤلاء
الرواة ، فالترجمة تكون متوجهة بالأساس للرواة المؤثرين في الرواية بالمخالفة أو
التفرد بزيادة في السند أو المتن ، كما تكون متجهة للرواة الذين عليهم مدار
الرواية ، و ينبغي أن تكون الترجمة دالة على المراد منها ، بحيث لا تتجاوز الحد الذي
لا يفيد في الحكم على الرواية.
·
طرق التخريج:
طرق التخريج والتعبير بطرق التخريج على سبيل
التوسع الشائع عند المعاصرين ، وإلا فإن بعض الباحثين يرى أن الأنسب في القول: طرق
استخراج الحديث ، لأن غاية هذه الطرق تيسير الوصول إلى الحديث واستخراجه ، و المقصود
بطرق تخريج الحديث عند المعاصرين: الطرق التي تُستعمل للدلالة على مكان الحديث
غالبا ، فهذه الطرق عبارة عن وسيلة نقل إلى موضع الحديث في المصادر . وهذه الطرق
احتاج إليها المعاصرون لصعوبة الوصول إلى الحديث والحاجة في كل حديث إلى تصفح
المصادر صفحة صفحة ، للوقوف على الحديث ، وهذا يأخذ جهداً كبيراً و وقتاً طويلاً ،
وأحيانا يكون شبه متعذر ، وقد استغن السابقون عن هذه الطرق لحصول الفهم والمعرفة لديهم ، و قوة الحفظ عندهم. يقول إسحاق
بن راهويه: « أعرف مئة ألف حديث
كأني انظر إليها ، و أحفظ سبعين ألف حديث عن ضهر قلب و أحفظ أربعة آلاف حديث مزورة».
وقال البخاري: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح».
ولمعرفة قيمة هذا التخريج ، يقول الشيخ أحمد شاكر
في مقدمة كتابه: "مفتاح كنوز السنة" « فإني أعياني تطلب بعض الأحاديث في مظانها ، وأغرب من هذا أني لبثت نحو خمس سنين
أطلب حديثًا معينًا في سنن الترمذي ، وهو كتاب تلقيته كله
سماعا ولي به شِبه اختصاص ».
ويقول الشيخ رشيد رضا:
« فلو كان بيدي هو أو مثله من أول عهدي بالاشتغال بكتب السنة لوفّرعليّ ثلاثة
أرباع عمري الذي صرفته فيها، ولمكنني من الاستجابة لمن اقترحوا عليّ ان أضع كتابا جامعا
للمعتمد منها، وكتابا آخر للمشكل منها، في نظر علوم هذا العصر وفلسفته، والجواب المقنع
عنه» ،. وقد ظهر في القديم
عند الحفاظ نوع من الفهارس يُيَسر الوصول إلى الحديث ، وهو التأليف على الأطراف ،
و من أشهرها كتاب: " تحفة الإشراف بمعرفة الأطراف " للحافظ المزي ، وهذا
النوع يستعان به في التخريج بواسطة الراوي الأعلى ، ثم ظهر في هذا العصر قبل أكثر
من مئة سنة ، التأليف في فهارس أوائل الأحاديث وكانت تسمى بكتب المفاتيح ، ومن أوائل
هذه الكتب: "مفتاح صحيح البخاري" و "مفتاح صحيح مسلم" لمحمد الشريف بن مصطفى التوقاتي ، وهذه المؤلفات
يستعان بها في التخريج بواسطة مطلع الحديث .
تمت المحاضرة بحمد الله
0 تعليقات على " المحاضرة السادسة في علم التخريج دة. هاجر جميل "