بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة التاسعة في مادة:
الأدلة الشرعية فوج ¾
**************************
« الدليل التاسع: سد الذرائع (تتمة) »
· أقسام الذرائع:
الأصل في اعتبار الذرائع هو النظر في مآلات الأفعال ، فيأخذ الفعل حكما يتفق مع ما يؤول إليه ، والأعمال بالنسبة لمآلاتها أربعة أقسام:
أ. ما يكون أداؤه إلى الفساد قطعيا: كحفر بئر خلف باب الدار في طريق مظلم بحيث يقع فيه الداخل بلا شك ، أو كحفر بئر في الطريق العام ، وقد يكون الفعل مأذونا فيه كمن حفر في بيته بئرا ، يترتب عليه هدم جدار جاره .
ب. ما يكون أداؤه إلى المفسدة ناذرا: كحفر البئر بموضع لا يؤدي غالبا إلى وقوع أحد فيه ، وبيع الأغدية التي غالبها لا تضر أحدا.
ج. ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرا لا نادرا: ويغلب الظن إفضاؤه إلى الفساد ، كبيع السلاح إلى أهل الحرب ، وبيع العنب إلى الخمَّار ، ونحوهما . وهذا ممنوع لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان.
د. أن يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرا ، لا غالبا ولا نادرا: كبيوع الآجال وهي البيوع الصحيحة في الظاهر ، المتخذة جسرا إلى الربا في الحقيقة والباطن ، وهي ممنوعة حرام في رأي المالكية والحنابلة ، لأنها تؤدي إلى الربا كثيرا. وحكم الشافعية بصحة بيوع الآجال في الظاهر ، لعدم توافر العلم أو الظن بوقوع المفسدة.
· حجية سد الذرائع:
سد الذرائع أصل من أصول الفقه عند المالكية والحنابلة . وأخذ به الشافعي وأبو حنيفة في بعض الحالات ، وأنكر العمل بها في حالات أخرى.
وأدلة القائلين بسد الذرائع من القرآن والسنة :
أما من القرآن:
فقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا } [البقرة:104] ، وراعنا كلمة سب عند اليهود ، وقوله تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأعراف:163] .
وأما من السنة:
فقوله صلى الله عليه وسلم: « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » ، « من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه » ، « إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ، قيل: يا رسول الله ، كيف يلعن الرجل والديه ؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه » .
وهذا القدر المستدل به من القرآن والسنة متفق عليه .
واتفق العلماء على أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان مطلقا ، فكل ما يؤدي إلى إيذاء المسلمين ممنوع.
كما اتفقوا على أن ما يكون طريقا للخير والشر ، وفي فعله منفعة للناس لا يكون محظورا ، كغرس العنب رغم أنه يؤدي إلى صنع الخمر.
وموضع الخلاف ينحصر كما أبان الشاطبي في الوسائل التي ظاهرها الجواز إذا قويت التهمة في التوصل بها إلى ممنوع ، مثل بيع العينة وبيع الأجل.
خلاصه القول فإن سد الذرائع معناه منع الفعل المباح الموصل الى الحرام ، و هذا المنع هو الحكم ، والحكم غير الدليل ، فكأن الشرع قال: الشيء المشروع اذا اتخذ وسيلة الى غير المشروع امنعوه ، وهو بذلك لا يخرج عن كونه عملا بنوع من المصلحة التي هي جلب المنافع ودفع المضار ، فهي إذا نوع من المصلحة و ليست دليلا مستقل ، فاللهو البريء مباح ، لكن اذا ألهى عن ذكر الله صار محظورا ، والبيع حلال لكن لما خيف أن يلهي الناس عن أداء صلاة الجمعة صار حراما ، وليقس على ما لم يقل ، ولهذا الموضوع ارتباط بما يسمونه الآن بنظريه التعسف في استعمال الحق.
« الدليل العاشر: الإستصحاب »
· تعريف:
في اللغة: طلب المصاحبة أو استمرار المصاحبة .
في اصطلاح الأصوليين: هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل ، حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال ، هو جعل الحكم الذي كان ثابتا في الماضي باقيا في الحال حتى يقوم دليل على تغييره ، أو هو الحكم بثبوت امر أو نفيه في الزمن الحاضر أو المستقبل ، بناء على ثبوته او عدمه في الزمان الماضي ، لعدم قيام الدليل على تغييره.
فاذا ثبت وجود أمر ، وشك في عدمه ، حكمنا ببقائه ، وإذا ثبت عدم أمر ، وشك في وجوده ، حكمنا بعدمه ، وتأسيسا عليه ،إذا أردنا معرفة حكم عقد أو تصرف ، ولا نص يدل على حكمه ، نحكم بإباحته بناء على أن الاصل في الاشياء الإباحة ، وإذا أردنا معرفه حكم حيوان أو نبات أو جماد أو طعام أو شراب أو عمل ما ، ولا دليل على حكمه في النصوص ، يحكم بإباحته ، لأن الإباحة هي الأصل.
الاصل في الفتاة البكارة ، ولا تقبل دعوى الثيوبة إلا ببينة ، والأصل في الطائر الصائد عدم التعلم ، ولا يثبت ذلك إلا ببينة .
ودليل كون الأصل في الأشياء الإباحة: قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة:29] ، و آيات تسخير ما في الكون للإنسان ، ولا يكون التخصيص بالناس ، والتسخير لهم محققا لفائدة لهم إلا إذا كان مباحا لهم .
· أنواعه:
1. استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد دليل على تحريمها:
أي أن المقرر عند جمهور الأصوليين بعد ورود الشرع ، هو أن الأصل في الأشياء النافعة الإباحة ، لقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة:29] ، وقوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [الأعراف:32] ، وقوله سبحانه : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } [المائدة:5] ، كما أن الأصل في الأشياء الضارة الحرمة ، لقوبه صلى الله عليه وسلم: « لا ضرر ولا ضرار » أي لا يجوز الضرر مطلقا ، ولا مقابلة الضرر بآخر .
وهذا النوع متفق ، عليه لدى العلماء .
2. استصحاب العدم الأصلي أو البراءة الأصلية في الأحكام الشرعية :
كالحكم ببراءة ذمة الإنسان من التكاليف الشرعية والحقوق المترتبة عليها ، حتى يدل دليل شرعي على التكليف ، فإذا ادعى شخص على شخص دَينا ، فعليه إقامة الدليل على شغل ذمة المدين بهذا الدين ، فإذا لم يستطع إثباته ، كانت ذمة المدعى عليه بريئة ، وإذا ألزمَنا الشرع بخمس صلوات ، يقول القول بصلاة سادسة قولا بخلاف الأصل ، فيطلب منه الدليل ، وإذا أوجب الشرع صوم شهر رمضان ، يكون القول بوجوب صوم شيء من شوال ، قولا بخلاف الأصل ، فيطلب منه الدليل ، وإذا ادعى الشريك أن المال لا ينتج ربحا قبلت دعواه ، استصحابا للأصل وهو عدم الربح ، حتى يثبت الربح بدليل.
وهذا النوع أيضا متفق عليه بين العلماء.
3. استصحاب ما دل الشرع أو العقل على ثبوته ودوامه :
كثبوت الملك عند وجود سببه وهو العقد ، وثبوت الحلية بين الزوجين بعد العقد الذي يفيده ، وشغل الذمة عند وجود الشاغل حتى تبرأ ، وبقاء الوضوء بعد التوضؤ ، فلا يؤثر الشك في النقض استصحابا للطهارة الثابتة خلافا للمالكية ، وإن اتفق العلماء على هذا النوع إجمالا إلا أنهم اختلفوا في بعض تفاصيله:
~ فيرى الحنفية أن الاستصحاب حجة في الدفع ، لا في الرفع ، أي أنه حجة في إبقاء ما كان على ما كان و ليس بحجه لإثبات أمر لم يكن ، ولم يأخذ الإمام مالك رحمه الله ببعض حالات هذا النوع ، فلم يجز الصلاة مع الشك في الوضوء ، ويلزم المطلقة ثلاثا إذا شك هل طلق ثلاثا أم واحدة؟.
· حجيته:
الاستصحاب يعمل به إذا لم يوجد دليل آخر فهو آخر مدار الفتوى ، وللعلماء في حجيته آراء أهمها اثنان:
1. قال متأخرو الحنفية ، أن الاستصحاب حجه للدفع والنفي ، لا للإثبات والاستحقاق ، أي أنه حجه لدفع ما ليس بثابت ، لا لإثباته ، فهو يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال ، لإبقاء الأمر على ما كان ، فلا يثبت إلا الحقوق السلبية ، ولا يصلح لإثبات حق جديد مكتسب ، فالاستصحاب لبراءة ذمة ليس حجه لبراءتها حقا ، بل يصلح فقط لمدافعة الخصم الذي يدعي شغل هذه الذمة بدون دليل يثبت دعوه.
واستصحاب الملكية الثابتة بعقد سابق ليس حجه لبقاء الملكية ، بل هو حجه لدفع دعوى من يدعي زوال الملكية ، دون أن يقيم الدليل عليه.
والخلاصة أن الاستصحاب عند الحنفية لا يثبت حكما جديدا ، ولكن يستمر به الحكم الثابت بدليله الدال عليه كالعدم الأصلي أو البراءة الأصلية ، أي لإبقاء ما كان على ما كان ، لا لإثبات ما لم يكن.
2. وقال جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ، الاستصحاب حجة مطلقا لتقرير الحكم الثابت حتى يقوم الدليل على تغييره ، فيصلح للاستحقاق كما يصلح للدفع ، أي أنه يثبت الحقين الايجابي والسلبي ، ما لم يقم دليل مانع من الاستمرار .
وتظهر ثمرة الخلاف في حال المفقود ، وهو الذي غاب عن بلده ولم يعرف أثره ، ومضى على ذلك زمان فإنه عند الحنفية لا تثبت له الحقوق الايجابية كالإرث والوصية من غيره ، وإنما يحتفظ له فقط بالحقوق السلبية ، وهي بقاء ملكيته على ذمته في ما كان له قبل فقده ، فلا توزع تركته على الورثة ، وتبقى زوجته في عصمته ، فتبقى حياته بالنسبة لأمواله و زوجته فقط ، حتى يقوم الدليل على وفاته أو يحكم القاضي بوفاته ، ولكنه لا يرث من غيره ، ولا يثبت له الحق في ما يوصى له به ، أي لا يُورث ولا يرث من غيره .
· من القواعد الفقهية المبنية على الاستصحاب:
· اليقين لا يزول بالشك: أي لا يرفع حكمه بالتردد ، فمن تيقن الوضوء وشك في الحدث ، يحكم ببقاء وضوء عند الجمهور عدا المالكية ، ومن شك في الطاهر المغير للماء ، هل هو قليل أم كثير ، يحكم ببقاء الطهور ، ومن أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر ، ولم يتبين الأمر ، صح صومه ، لأن الأصل بقاء الليل ، والفجر مشكوك فيه ، أما لو أكل آخر النهار بلا اجتهاد ، وشك في غروب الشمس ، بطل صومه ،لأن الأصل بقاء النهار، فالنهار متيقن ، والغروب مشكوك فيه .
· الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره ، مثال المفقود .
· الأصل في الأشياء الإباحة .
· الأصل في الإنسان البراءة .
· لا تكليف إلا بشرع .
« الدليل الحادي عشر: العرف »
· تعريف:
ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ويسمى أيضا العادة .
قال الغزالي رحمه الله : " العرف ما استقر في النفس من جهة العقول ، وتلقته الطباع السليمة بالقبول".
وفي استعمال علماء الشريعة: لا فرق بين العرف والعادة . فالعرف يتكون من تعارف الناس على اختلاف طبقاتهم عامتهم وخاصتهم بخلاف الإجماع فإنه يتكون من اتفاق المجتهدين خاصة ، ولا دخل للعامة في تكوينه .
1. العرف: ما تعارف عليه الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل .
2. العادة تنفيذ التكرار ، وكما يكون التعود من فرد يكون من جماعة ، فالأُولى تسمى عادة فردية و الثانية تسمى جماعية .
3. أما العرف فلا يصدق إلا على الجماعية ، فما تعوده بعض الناس لا يكون عرفا ، لأنه لا بد في تحقق العرف من اعتماد الأغلب أو الكل .
· أقسام العرف:
وينقسم العرف إلى أقسام عديدة باعتبارات مختلفة، وفيما يلي نذكر هذه الأقسام باعتبارات ثلاثة:
1. أقسام العرف باعتبار استعماله:
أ. العرف القولي:
· مثلا تعارف الناس على اطلاق الولد على الذكر دون الانثى ، مع ان نفس الولد ينطبق عليهما معا ، لقوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:11].
· وتعارفهم على إطلاق الدابة على ذوات الأربع ، مع أن كل ما يدب على الارض يسمى دابة ، وقد قال سبحانه : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] .
· كما تعارف الناس على ان اللحم يطلق على ما دون السمك من اللحوم مع أن الله تعالى سماه لحما في قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل:14] ،
ب. العرف العملي:
· مثل ما تعارف الناس عليه من البيع عن طريق التعاطي في بعض السلع دون ايجاب أو قبول ، و تقسيم المهر إلى مؤجل ومعجل ، ودخول الحمامات و المقاهي والأندية دون تحديد مدة المكث فيه …...
2. أقسام العرف باعتبار شيوعه:
ينقسم العرف باعتبار اتساع شيوعه أو قصره وحصره في مكان معين أو جماعة مخصوصة إلى نوعين اثنين:
أ. العرف العام: وهو العرف الذي يتفق عليه أغلبية الناس في كل البلاد أو معظمها، ويسيرون على منواله.
ب. العرف الخاص: وهو العادة التي تكون لفرد أو طائفة معينة في بلد معين، أو أصحاب مهنة معينة.
3. أقسام العرف باعتبار المشروعية:
ينقسم العرف باعتبار مشروعيته وعدم مشروعيته، ومن حيث موافقته أو معارضته للنصوص الشرعية إلى نوعين اثنين:
أ. العرف الصحيح: وهو ما لا يخالف دليلا شرعيا، فلا يبطل واجبا، ولا يحل حراما، ولا يحرم حلال، فهو كل ما تعارفه الناس في تحقيق مصالحهم، وتسيير أمورهم، دون أن يخالف نصا شرعيا، أو حكما من الأحكام الثابتة بالنص أو الإجماع.
أمثلة:
- كتعارف الناس على الاستصناع.
- تعارف الناس على أن هذا الشيء يباع كيلا، وهذا الشيء يباع وزنا ونحو ذلك.
- تعارف الناس على تقسيم المهر إلى معجل ومؤجل.
- التعارف على البيع بالنقد (الحال) أو بالتقسيط.
- التعارف على تقديم الهدايا أثناء الخطبة، وأن هذه الهدايا لا تحسب من المهر.
ب. العرف الفاسد: وهو ما يعارض دليلا شرعيا ، فيبطل واجبا ، أو يحرم حلالا ، أو يحل حراما ، فهو كل ما يتعارفه الناس ، ويشيع بينهم مع مخالفته لحكم شرعي ، أو لنص من النصوص ، وهذا هو العرف الفاسد أو الباطل ، لا قيمة له ، ولا يعتد به ، ولا يحتج به ، ولا يعول عليه ، باتفاق العلماء ، بل هو آثم ، وذنب على صاحبه والعاملين به.
أمثلة:
- تعارف الناس والبنوك على التعامل بالربا، وسحب الأموال والتمويلات الربوية.
- تعارف بعض الناس على شرب الخمر.
- تعارف بعض المجتمعات على التبرج و السفور.
- تعارف بعض المجتمعات على الاختلاط بين الرجال و النساء.
- مشي النساء وراء الجنائز و زيارتهن المقابر، وإضاءة الشموع عليها.
- التعارف على سحب اليانصيب التجاري المحرم........
· حجية العرف:
أما العرف الصحيح فيجب مراعاته في التشريع وفي القضاء ، وعلى المجتهد مراعاته في قضائه ، لأن ما تعارفه الناس وما ساروا عليه صار من حاجاتهم ومتفقا ومصالحهم ، فما دام لا يخالف الشرع وجبت مراعاته ، والشارع راعى في الصحيح ما عرف العرب في التشريع ، ففرض الدية على العاقلة ، وشرط الكفاءة في الزواج ، واعتبرا العصبية في الولاية والإرث ، وقال العلماء العادة شريعة محكمة ، والعرف الشرعي له اعتبار عند الامام مالك على عمل أهل المدينة . والشافعي له يقولان: قديم وجديد ، لتغير العرف في مكانه ، المعروف عرفا كالمشروط شرطا ، والثابت بالعرف كالثابت بالنص .
· ذكر العلماء جملة من الأدلة للإستدلال على حجية العرف منها :
· قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف:199] ، قال القرافي: " فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر الآية.
· قول ابن مسعود "ما راه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" ، فهذا الاثر يوحي بحجية العرف.
· قوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجه ابي سفيان: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ، قال القرطبي: " في هذا الحديث اعتبار للعرف في الشرعيات".
· لذلك قال القرافي: " أما العرف فمشترك بين المذاهب ، ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك".
أما العرف الفاسد فلا تجب مراعاته لأن مراعاته معارضة دليل شرعي أو إبطال حكم شرعي ، فإذا تعارف الناس عقدا من العقود الفاسدة كعقد ربوي أو عقد فيه غرر وخطر ، فلا يكون لهذا العرف أثر في إباحة هذا العقد ، فإن كان من ضرورياتهم أو حاجاتهم يباح لأن الضرورات تبيح المحظورات ، والحاجات تنزل منزلتها
(الضرورات) في هذا.
والأحكام المبنية على العرف تتغير بتغيره زمانا ومكانا . لأن الفرع يتغير بتغير أصله.
· شروط العمل بالعرف:
· ألا يخالف نصا قطعيا ، فلا عبرة لما تعارف عليه الناس من أكل الربا ، أو عدم توريث المرأة .....
· أن يكون العرف مطردا ، أي في جميع الأحوال والحوادث أو غالبها ، فلا عبرة بالعرف غير الغالب.
· أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات موجودا عند إنشائها ، لا متأخرا عليها .
· ألا يعارض العرف تصريحا بخلافه ، كاشتراط الزوجة تعجيل كل المهر وقبول الزوج بذلك.
· تطبيقات و أمثلة للعرف:
· أن متاع البيت: الجهاز ، الذي تم شراؤه قبل الزواج بمقتضى العرف أنه للزوجة .
· دخول العلو في بيع المنزل ، وإن لم ينص على ذلك في العقد.
· أوجب الله قطع يد السارق في سرقة المال من حرزه ، ولم يبين حد الحرز وهو موكول إلى العرف .
تمت المحاضرة بحمد الله
لتحميل المحاضرة بصيغة PDF إضغط هنا
0 تعليقات على " المحاضرة التاسعة في الأدلة الشرعية - أيت المكي "