بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة السادسة في مادة:
أصول الفقه - الأدلة الشرعية فوج ¾
**************************
« الدليل الرابع: القياس (تتمة) »
· أركان القياس (تتمة):
3.
الفرع:
وهو الواقعة التي لم يرد النص أو الإجماع
بحكمها ، ويسمى المقيس عليه.
ما يشترط في الفرع:
الشروط المعتبرة في الفرع أربعة ، وهي:
أ.
أن يكون في الفرع علة مماثلة لعلة الاصل إما في ذاتها
وإما في جنسها: مثل قياس النبيذ على الخمر بجامع الإسكار.
ب.
ألا يتغير في الفرع حكم الأصل.
ت.
ألا يترتب على القياس تقدم الفرع على الأصل: كقياس
الوضوء على التيمم في اشتراط النية ، مع أن التيمم متأخر المشروعية على الوضوء ،
فيترتب عليه ثبوت الحكم على الأصل قبل علته. وقد عرفنا أن هذا شرط أيضا في حكم
الأصل.
ث.
ألا يكون في الفرع نص أو إجماع يدل على حكم مخالف للقياس:
لأن القياس يكون حينئذ مصادما للنص أو الإجماع. مثلا لا يصح عند العلماء جواز ترك
الصلاة في السفر على ترك الصيام بجامع وجود السفر ، ويعد القياس باطلا ، لأن
العلماء أجمعوا على أن الصلاة لا يحل تركها في السفر.
4.
العلة:
وهي الوصف الموجود في الأصل ، والذي من أجله
شرع الحكم فيه ، وبناء على وجوده في الفرع تأتي إرادة تسويته بالأصل في هذا الحكم.
أو بعبارة أخرى: هي الوصف الظاهر المنضبط الذي بنى عليه الشارع الحكم في الأصل.
ومعنى ذلك: أن العلة التي بنى عليها الشارع
الحكم في الأصل إذا وجدت في الفرع صار حكمهما واحداً لاشتراكهما في العلة التي هي
مدار الحكم.
~ الحكمة:
ما شرعه الله حكما لتحقيق مصالح العباد
أو لدفع المفسدة والضرر عنهم ، فهي الغاية المقصودة من تشريع الاحكام وهي حكمة الحكم
( فإباحة الفطر للمريض: حكمته دفع المشقة على المريض ، وايجاب القصاص: حكمته حفظ حياة
الناس )
وإن الحكمة في تشريع الاحكام قد تكون أمرا خفيا غير
ظاهر أي لا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة ، ولا يمكن بناء الحكم عليه ولا ربط وجوده
بوجوده ، و عدمه بعدمه .
الفرق بين الحكمة والعلة:
- أن الحكمة: هي الباعث على تشريع الحكم والغاية المقصودة هي تحقيق وهي
المصلحة المقصود تحقيقها.
- وأما العلة: فهي الامر الظاهر المنضبط
الذي بني عليه الحكم وجوداً وعدماً .
- أما السبب: فهو أعم في مدلوله
من العلة عند جمهور الأصوليين ، فكل علة سبب وليس كل سبب علة.
ما يشترط في العلة:
الشروط المعتبرة في العلة أربعة ، وهي:
أ.
أن تكون العلة وصفا مناسبا للحكم: أي أن تكون مظنة
لتحقيق حكمة الحكم الشرعي ، فيغلب على الظن تحقيق الحكمة التشريعية ، وهي جلب
المصلحة أو النفع ، ودفع المفسدة أو الضرر.
- فالإسكار:
وصف مناسب لتحريم الخمر. لدفع الضرر عن الناس.
- والسفر في رمضان: وصف مناسب للحكم بإباحة الفطر. لتحقيق التيسير ودفع المشقة.
- والقتل العمد العدوان: وصف مناسب لتشريع القصاص.
........ احفظ الأرواح وعدم إهدار حرمة الدم.
ب.
أن تكون العلة وصفا ظاهرا جليا : أي مدركا بإحدى الحواس
الظاهرة ، لأن العلة هي الوصف المعرف للحكم ، فلابد من أن تكون أمرأ ظاهراً.
ت.
أن تكون العلة وصفاً منضبطا : أي بأن تكون لها حقيقة معينة
محددة لا تختلف اختلافا كبيرا باختلاف الأفراد والأحوال.
ث.
أن تكون العلة متعدية وليست وصفا قاصراً عل الأصل : أي
أن تكون وصفاً يمكن تحققه في عدة حالات ويوجد في غير الأصل إذ لو كانت العلة قاصرة
على الأصل ، لم يصح القياس ، لأن قصور العلة يمنع تحققها في الفرع. فلا يصح تعليل
تحريم الخمر بأنها عصير العنب المتخمر ، لأن هذه العلة لا توجد في غير الخمر ، ويصح
بالإسكار لوجوده في الخمر وغيرها.
- والعلة إما
أن تكون متعدية: وهي ما تجاوزت المحل الذي وجدت فيه إلى غيره من المحلات الأخرى.
- أو تكون علة
قاصرة: وهي التي لم تتجاوز المحل الذي وجدت فيه ، سواء أكانت منصوصة أم مستنبطة.
·
مسالك العلة:
فمسالك العلة: هي الطرق الذي يتوصل
بها المجتهد إلى معرفة العلة وأهم هذه المسالك ما يلي:
1.
النص:
أي أن
يَرِد نصٌ من القرآن أو السُّنة على أن وصفاً من الأوصاف علة لحكم شرعي ، ويقال
لهذه العلة: علة منصوصة ، وهي إما أن تكون صريحة أو إيماء (بمعنى تلميحا وإشارة ).
~ العلة الصريحة
: وهي أن يشمل النص على الفاظ
التعليل المعروفة في اللغة مثل : اللام - كي - لئلا- من أجل كذا- لعلة كذا - لموجب
كذا- أو لسبب كذا...
~ العلة بطريق
الإيماء : كاقتران الحكم
بالوصف {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38].
2. الاجماع:
وهو أن يدل الإجماع على أن وصفاً معيناً هو علة لحكم شرعي ، مثال اجماع
العلماء على أن علة الولاية المالية على الصغير هي الصغر .
3. المناسب:
أ.
المناسب المؤثر: الامر الذي رتب الشارع حكما على وفقه وثبت بنص أو إجماع اعتباره بعينه علة الحكم
الذي رتب على وفقه ، مثال قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ
أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ }[البقرة:222]. والحكم الثابت بهذا النص هو ايجاب اعتزال النساء في المحيض وقد رتب على أنه اذى
و النص صريح في أن علة هذا الحكم هو أذى ، فالأذى لإيجاب اعتزال النساء في المحيض وصف
مناسب مؤثر .
ب.
المناسب الملائم : وهو الوصف المناسب الذي رتب الشارع حكما عليه ، ولم يثبت بنص أو إجماع اعتباره
بعينه علة لهذا الحكم المرتب عليه. وإنما ثبت كونه علة لجنس الحكم أو علة للحكم
بجنسه. ومثال: الوصف المناسب الذي اعتبر الشارع
وصفا من جنسه علة للحكم الذي يبحث المجتهد عن علته: المطر لإباحة الجمع بين الصلاتين
وقت الإقامة ، فالحكم هو إباحة الجمع بين الصلاتين رتب على وفق حال المطر ولم يدل نص
ولا إجماع على أن المطر هو علة هذا الحكم . ولكن يدل بهما أن علة إباحة الجمع السفر.
والسفر والمطر نوعان من جنس واحد لأن كلا منهما عارض مظنة الحرج و المشقة و المطر هنا
يقاس عليه حال الثلج والبرد...
ج.
المناسب المرسل: الوصف الذي لم يرتب الشارع حكما على وفقه ولم يدل دليل شرعي على اعتباره بأي
نوع من انواع الاعتبار ، و لا على الغاء اعتباره. فهو مناسب اي يحقق مصلحة . ولكنه
مرسل اي مطلق عن دليل اعتبار و دليل الغاء ، كالمصالح التي اعتمد عليها الصحابة في وضع الخراج على
الأراضي الزراعية ، وضرب النقود ، وتدوين القرآن ونحو ذلك من المصالح.
وهذا مختلف فيه بين المذاهب ،
فالحنفية والشافعية قالوا: لا يجوز التعليل به ولا بناء الأحكام عليه ، لأن الشرع
لم يعتبره.
وقال المالكية والحنابلة: يصح
التعليل به وبناء الأحكام عليه ، لأن
الشرع لم يلغ العمل به.
د. المناسب الملغي: وهو الوصف الذي يظهر أن في بناء الحكم
عليه تحقيق للمصلحة . ولم يرتب الشارع حكما على وفقه ، ودل الشارع على إلغائه وعدم
اعتباره مثل : تساوي الابن والبنت في البنوة للمتوفي ، يعد وصفا مناسبا لتساويهما في
الارث ، والشرع ألغى هذا
الوصف في أحكام المواريث ، فقال تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ} [النساء:11].
4. السبر والتقسيم :
السبر في اللغة: الاختبار ، والتقسيم: هو حصر الاوصاف الصالحة لأن تكون علة
في الأصل. فإذا ورد نص بحكم شرعي في واقعة ، ولم يدل نص ولا إجماع على علة هذا الحكم
، سلك المجتهد للتوصل إلى معرفة هذا الحكم مسلك السبر والتقسيم.
مثال:
أن يقول المجتهد: تحريم الخمر بالنص ، إما لكونه من العنب ، أو لكونه سائلاً ، أو لكونه
مسكراً ، ثم يقول : الوصف الأول قاصر غير
متعدٍ ، والثاني طردي غير مناسب ، فبقى الوصف الثالث وهو الإسكار ، فيقرر أنه علة .
~ الطريق لتعرف العلة:
~ تخريج المناط : النظر والاجتهاد في استنباط الوصف المناسب للحكم الذي ورد النص أو الاجماع ليجعل
علة للحكم ، بأي طريق من طرق مسالك العلة ، كالمناسبة أو السبر والتقسيم ، فهو خاص
بالعلل المستنبطة ، كاستخراج الطعم أو القوت أو الكيل بالنسبة لتحريم الربا بواسطة
السبر والتقسيم ، والإجتهاد في إثبات كون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في
الجناية بالآلة المحددة كالسيف والسكين ونحوهما .
~ تنقيح المناط: هو تعيين السبب الذي أناط الشارع الحكم به من بين الأوصاف المذكورة في النص
بحذف مالا يصلح من الأوصاف غير المعتبرة . أي بمعنى العلة هنا موجودة ولكن نريد أن
نخلصها من الشوائب الشاذة.
~ تحقيق المناط : هو النظر
في معرفة وجود العلة في آحاد الصور الفرعية التي يراد قياسها على أصل ، سواء أكانت
علة الأصل منصوصة أم مستنبطة ، كالنظر في تحقق الإسكار الذي هو علة تحريم الخمر في
أي نبيذ آخر مصنوع من تمر أو شعير .
تمت
المحاضرة بحمد الله
لتحميل المحاضرة بصيغة PDF إضغط هنا
0 تعليقات على " المحاضرة السادسة في الأدلة الشرعية - أيت المكي "